وأصل المسألة كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في أول الجزء الحادي عشر من مجموع الفتاوى عندما تعرض لموضوع الفقر والتصوف هو: أن كلمة الفقير عند الصوفية لها معنى غير الفقير الذي نعرفه نحن في الكتاب والسنة، فالفقير في الكتاب والسنة، ولغة العرب، وعرف الناس هو كما ذكر الله سبحانه وتعالى: (( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ))[التوبة:60]، ومن ينظر إليه من جهة ماله، أي: المستحق للزكاة؛ بغض النظر عن أيهما أشد فقراً: الفقير أم المسكين، فالمهم أن من يصدق عليه الاسمان: الفقير أو المسكين فهو من أهل الزكاة، فينظر إليه من جهة حاجته المادية -حاجته المالية- وهكذا، فلا يتعلق بالفقر مدح ولا ذم لذاته، يعني حالة من الحالات.
فالله تعالى جعل بعض الناس أغنياء، وجعل بعض الناس فقراء، (( فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ))[النحل:71] كما ذكر الله عز وجل، وليس لهذا حكم لذاته بأن يمدح أو يذم، لكن لأن كلمة الفقير أصبحت اصطلاحاً على طائفة من الصوفية ؛ يتعبدون وينقطعون عن الدنيا، ويزهدون فيها، ولهم رسوم معينة، بل ربما كان لهم أماكن معينة كما سنقرؤه من كلام الشيخ رحمه الله عند التفضيل بين الصوفي والفقير؛ لأن الصوفية أنفسهم انقسموا إلى طائفتين: طائفة منهم تسمى: فقراء، وطائفة تسمى: الصوفية ، وهؤلاء في الزوايا وهؤلاء في الخوانك كما كانت تسمى بلغة الترك.
إذاً فهو اصطلاح خاص، وليس على معناه الأصلي في لغة العرب، أو في الشريعة، وقد تعرض شيخ الإسلام في الحادي عشر من مجموع الفتاوى ، وهو جزء التصوف؛ تعرض لهذا الموضوع أكثر من مرة، منها: ما ذكره في أوله عندما تعرض لاسم الفقير كما في (ص:20) كما ذكرناه ولخصناه.